التقنينات المالكية
ثم ينتقل المالكي في صفحة بعدها يقول: '' إنَّ الشبلي -وهو مِن أئمَّتهم- لا نعلم له مسنداً سوى حديثٍ واحدٍ عن أبي سعيد رضيَ الله تعالى عنه، قال: { قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لـبلال القَ اللهَ عزَّ وجلَّ فقيراً، ولا تلْقَهُ غَنِيّاً، قال: يا رسولَ الله! كيف لي بذلك؟ قال: هو ذاك، وإلا فالنَّار }'' .
يقول المالكي: '' إن قيل: كيف تجب النَّار بارتكاب أمرٍ مباحٍ في الشرع؟
قلنا: حال بلال وطبقته مِن الفقراء تقتضي ألاَّ يدَّخروا! فمتى خالفوا مقتضى حالتهم استوجبوا العقوبة على الكذب في دعوى الحال، لا على كسبهم وادِّخارهم الحلال! ''
إذاً: هنا قضيَّة تشريعيَّة مهمَّة، هنا مناط تكليف، ومناط تشريع يختلف، ليس المناط أو متعلق التكليف هو أنَّه مسلمٌ، عاقلٌ، بالغٌ، حرٌّ، لا، هناك مناط آخر وضعته الصوفية، وهو: هل هو صاحب حال، أو صاحب عبادة مِن العامة؟
إنْ كان مِن أهل الشريعة، أو من أهل العبادة، أو مِن العامة، فهذا في حقِّه الأشياء حلال، لكن إن كـان مِـن أصحاب الأحوال، فهذا حتى مجرد جمع المال، عليه حرام، فإمَّا أن يلقى الله عز وجل فقيراً، وإلاَّ فليدخل النَّار، كما وضعوا هذا الحديث المكذوب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيقول -كما يقول المالكي-: ''متى خالفوا مقتضى حالهم: استوجبوا العقوبة على الكذب في دعوى الحال، لا على كسبهم'' !!
أي: أن بلال رضيَ الله عنه وأرضاه لو جمع مالاً حتى صار غنيّاً، فإنه يدخل النَّار ويعذب لا على أنَّ المال الذي جمعه حرام -هو حلال نعم- لكن على أنَّه مخالف للحال! كيف يدَّعي حالاً ولا يوافقها؟!
فأية دعوى التي ادعاها بلال؟ وأية حال؟
هذه هي المشكلة؛ أن القوم يضعون تشريعات، وتقنينات أصلها مأخوذ من أولئك الزنادقة.
ويأتي إلى موضع آخر من نفس الكتاب لينقل عن رجل يقال له أبو أحمد المغازلي، يقول: ''خطر على قلبي ذكرٌ مِن الأذكار، فقلت: إن كان ذِكرٌ يُمشى به على الماء فهو هذا، فوضعتُ قدمي على الماء فثبتت، ثم رفعتُ قدمي الأخرى لأضعها على الماء فخطر على قلبي كيفية ثبوت الأقدام على الماء فغاصتا جميعاً!!''
أرأيتم هذا الذكر خطرَ على قلبه، لا هو مِن صحيح البخاري، ولا هو مِن المواهب اللدنية التي يرجع إليها هؤلاء الخرافيُّون، ولا من السيوطي، ولا مِن ابن عساكر، ولا مِن الحلية، إنَما خطر على قلبه!